:
[ أصابعك قريبةٌ منّي ، تحوطني من كلِّ جانب ، كأصابعِ طفلٍ صغيرٍ حول نحلةٍ ملوّنة : تريدها وتخشاها ولا تطلقها ولا تمسكها ولكنها تنبض معها .. ] **
مفاجأة ...
أن يطلّ وجهكَ من بين غماماتِ السّهرِ المُلتصقِ على أجفان ليالي ذاكرتي , و هي تتستّرُ على وحدتها , كمايتستّرُ عاشقٌ مراهقٌ على براءةِ طفولتِهِ قبلَ القُبلةِ الأولى ...
أن اجدكَ بين حروفي في أوّل الأسطرِ و في خاتمةِ العبارات و نهاياتِ الحكاياتِ الصّغيرةِ , الّتي ما ملّت تدوّنُ تاريخَ حصادِ سنابلِ الانتظار منذُ أكثرَ من عمرينِ و قلق ..
مفاجأة ..
أن تجدني على صدركَ سنونوةً مهاجرةً من مجاهلِ الحقيقةِ حتّى تخومِ الأحلامِ ,تكفرُ بدفءِ الأولى و تتدثّرُّ ببردِ غيابكَ حدّ اندماجِ الظِّلال ..
أن تطاردني بينَ دهاليزِ اشتياقكَ لربيعِ القصائدِ الهاربة , كغزالةٍ وعدت أن تعودَ ذاتَ ربيعٍ و لم تفعل !!
مفاجأة ...
أن نجدنا كمقعدٍ حزينٍ في حديقةِ الأفراحِ السّرية , و أن نستطبعَ وحدَنا إعلانَ اندماجنا أمامَ حفيفِ الأوراقِ المتهامسة ..
أن نرمي معاً آخر قطرةِ حبرٍ للرّيح و نقرّرّ أن نعيشَ جنوننا بذاتِ رغبتنا الأولى في المشي تحتَ المطر , في أن تعانقنا أيادي نهر مدينتي الصّغيرة ,
في أن نمسح بأكمامِ أملنا مصابيحَ ذاكرتنا واحداً تلو الآخر , علّنا نحظى بأمنية اللقاء ..
:
[ أؤمن بك كما يؤمن الأصيل بالوطن والتقي بالله والصّوفي بالغيب . لا كما يؤمن الرجل بالمرأة! ] **
و ألتقيني بكَ كعشبةٍ سحريّةٍ بينَ يديّ عطارٍ قديم , كموعدٍ مؤجّلٍ عجّلت به لهفةُ الرّياحِ لبعثرةِ كثبانِ المكابرة ..
كطفلينِ التقيا للمرّةِ الأولى و في يدِ كلٍّ منهما لعبةُ الآخر , و حلوى لاثنين خبآها لعيدٍ مُنتظر ..
ألتقيني بكَ كما تلتقي الأزهار ذرّاتِ غبارِ الطّلعِ و تؤجّلَ ثمرَها -عن عبث - لشتاءٍ آخر , لبردٍ جديدٍ قد يعصفُ بأطرافها المتكوّمةِ حولكَ حدّ الانصهار ..
فقط .. حينَ أشعرُ أن لا أبجديّةً فرعونيّةً قادرةً على وصفِ لعناتِ الانتظار المسجّاةِ على أطرافِ نهرٍ أسمر ,
و لا حروفَ منحوتةً بصبرِ الأيادي الأولى على أعمدةِ الوعودِ القديمة ..
فقط حينها , أمدُّ شفتيَّ نحوَ صدركَ و أصنعُ من صوتي جسراً , لا علاقةَ لهُ بطعمِ الهزائمِ و حُرقة الانتصارات ,
و أمشي على أطرافِ وجعي , ألملمُ ضجيجَ فرحي بك لئلّا أوقظَ نبضي المبحوح ..
و ألتقيك .
:
[ سأترك شعري مبتلا حتى أجفّفه على شفتيك . ] **
و تمدُّ يديكَ إلى رئاتِ الخريفَ , لتلقطَ لنا صنوبرةً وحيدةً لأجلها نغفرُ اصفرارَ الغياب , و بها يتنشرُ الأوكسجينَ في واحاتِ الوقتِ المغروسِ كنصلٍ حزين ..
تهمسُ كضوءِ أوّل صباحاتِ الصّيف للزّوابع , للأحجار الملّونة , للأصداف , لأعشاشِ العصافيرِ الصّغيرةِ الرّمادية , لقوس قزح و لحظاتِ الحب و الرّياح المعاكسة لكلّ السّفن ,
تهمسُ للياسميناتِ الحزينات بموعدِ المساءاتِ الطّويلة , بأسرارِ اللّيالي الهاربة , و بحكايةِ الأميرِ الصّغير الّذي أحبّ من الوريدِ إلى الوريد !
تنقشُ وجهكَ فوقَ رقعةِ فرحٍ و تلّفها حولَ يديك , لتقلبَ بها كلّ قوانينِ الأزمنةِ الحالمة و الاحلامِ المُزمنة , و تجعلَ من الثّواني الهزيلة خطىً تجمعُ رمالَ العمرِ المتسرّبةِ في كفِّ نخلةٍ عذراء ..
:
[هل العصافير
رسائل الغيوم المتوحّدة إلى النّاس ؟
أم أنّ العصافير ,
صرخةُ الغيمةِ قبلَ أن تذوبَ عشقاً فتصيرَ مطراً ؟ ] *
و ربّما كنتَ أنت , رسالةَ الماءِ لغرقِ القصائدِ الحزينة و انهمارِ الشلّالاتِ المقيّدة , و انحباس الدموع في مآقي الفرحِ و الرّغبة ..
و كانَ غيابكَ رسالةَ المنفى لوطنٍ يتربّصُ بالانتماء , و يعدُ السّماءَ بقوافلَ من الصّرخاتِ المكتومةِ كلّ رحيل ..
أو ربّما منحتكَ المجرّةُ لكواكبِ الأرقِ لتزورها كمذنّبٍ خام , لم تمّسهُ عينُ الفراق و لم تحاصرهُ أزقّةُ المستحيلات ..
و ربّما ..
كنتَ أنتَ : أنا و جناحَ عصفور ..
:
[ هل الأصداف دفاتر مذكّراتِ الغرقى
و لذا ينبتُ اللّؤلؤُ في بعضها ؟] *
يحاولُ النّسيانُ أن يُبلّلَ أوراقَ ذاكرتي , فيفشل ..
و يهيمُ على تشرّدهِ بينَ القارّات , و يبقى لتلافيفِ العتمةِ , نورُ غيابكَ و حُرقةُ حضورك !!
:
** غسّان كنفاني
* غادة السّمان
[ أصابعك قريبةٌ منّي ، تحوطني من كلِّ جانب ، كأصابعِ طفلٍ صغيرٍ حول نحلةٍ ملوّنة : تريدها وتخشاها ولا تطلقها ولا تمسكها ولكنها تنبض معها .. ] **
مفاجأة ...
أن يطلّ وجهكَ من بين غماماتِ السّهرِ المُلتصقِ على أجفان ليالي ذاكرتي , و هي تتستّرُ على وحدتها , كمايتستّرُ عاشقٌ مراهقٌ على براءةِ طفولتِهِ قبلَ القُبلةِ الأولى ...
أن اجدكَ بين حروفي في أوّل الأسطرِ و في خاتمةِ العبارات و نهاياتِ الحكاياتِ الصّغيرةِ , الّتي ما ملّت تدوّنُ تاريخَ حصادِ سنابلِ الانتظار منذُ أكثرَ من عمرينِ و قلق ..
مفاجأة ..
أن تجدني على صدركَ سنونوةً مهاجرةً من مجاهلِ الحقيقةِ حتّى تخومِ الأحلامِ ,تكفرُ بدفءِ الأولى و تتدثّرُّ ببردِ غيابكَ حدّ اندماجِ الظِّلال ..
أن تطاردني بينَ دهاليزِ اشتياقكَ لربيعِ القصائدِ الهاربة , كغزالةٍ وعدت أن تعودَ ذاتَ ربيعٍ و لم تفعل !!
مفاجأة ...
أن نجدنا كمقعدٍ حزينٍ في حديقةِ الأفراحِ السّرية , و أن نستطبعَ وحدَنا إعلانَ اندماجنا أمامَ حفيفِ الأوراقِ المتهامسة ..
أن نرمي معاً آخر قطرةِ حبرٍ للرّيح و نقرّرّ أن نعيشَ جنوننا بذاتِ رغبتنا الأولى في المشي تحتَ المطر , في أن تعانقنا أيادي نهر مدينتي الصّغيرة ,
في أن نمسح بأكمامِ أملنا مصابيحَ ذاكرتنا واحداً تلو الآخر , علّنا نحظى بأمنية اللقاء ..
:
[ أؤمن بك كما يؤمن الأصيل بالوطن والتقي بالله والصّوفي بالغيب . لا كما يؤمن الرجل بالمرأة! ] **
و ألتقيني بكَ كعشبةٍ سحريّةٍ بينَ يديّ عطارٍ قديم , كموعدٍ مؤجّلٍ عجّلت به لهفةُ الرّياحِ لبعثرةِ كثبانِ المكابرة ..
كطفلينِ التقيا للمرّةِ الأولى و في يدِ كلٍّ منهما لعبةُ الآخر , و حلوى لاثنين خبآها لعيدٍ مُنتظر ..
ألتقيني بكَ كما تلتقي الأزهار ذرّاتِ غبارِ الطّلعِ و تؤجّلَ ثمرَها -عن عبث - لشتاءٍ آخر , لبردٍ جديدٍ قد يعصفُ بأطرافها المتكوّمةِ حولكَ حدّ الانصهار ..
فقط .. حينَ أشعرُ أن لا أبجديّةً فرعونيّةً قادرةً على وصفِ لعناتِ الانتظار المسجّاةِ على أطرافِ نهرٍ أسمر ,
و لا حروفَ منحوتةً بصبرِ الأيادي الأولى على أعمدةِ الوعودِ القديمة ..
فقط حينها , أمدُّ شفتيَّ نحوَ صدركَ و أصنعُ من صوتي جسراً , لا علاقةَ لهُ بطعمِ الهزائمِ و حُرقة الانتصارات ,
و أمشي على أطرافِ وجعي , ألملمُ ضجيجَ فرحي بك لئلّا أوقظَ نبضي المبحوح ..
و ألتقيك .
:
[ سأترك شعري مبتلا حتى أجفّفه على شفتيك . ] **
و تمدُّ يديكَ إلى رئاتِ الخريفَ , لتلقطَ لنا صنوبرةً وحيدةً لأجلها نغفرُ اصفرارَ الغياب , و بها يتنشرُ الأوكسجينَ في واحاتِ الوقتِ المغروسِ كنصلٍ حزين ..
تهمسُ كضوءِ أوّل صباحاتِ الصّيف للزّوابع , للأحجار الملّونة , للأصداف , لأعشاشِ العصافيرِ الصّغيرةِ الرّمادية , لقوس قزح و لحظاتِ الحب و الرّياح المعاكسة لكلّ السّفن ,
تهمسُ للياسميناتِ الحزينات بموعدِ المساءاتِ الطّويلة , بأسرارِ اللّيالي الهاربة , و بحكايةِ الأميرِ الصّغير الّذي أحبّ من الوريدِ إلى الوريد !
تنقشُ وجهكَ فوقَ رقعةِ فرحٍ و تلّفها حولَ يديك , لتقلبَ بها كلّ قوانينِ الأزمنةِ الحالمة و الاحلامِ المُزمنة , و تجعلَ من الثّواني الهزيلة خطىً تجمعُ رمالَ العمرِ المتسرّبةِ في كفِّ نخلةٍ عذراء ..
:
[هل العصافير
رسائل الغيوم المتوحّدة إلى النّاس ؟
أم أنّ العصافير ,
صرخةُ الغيمةِ قبلَ أن تذوبَ عشقاً فتصيرَ مطراً ؟ ] *
و ربّما كنتَ أنت , رسالةَ الماءِ لغرقِ القصائدِ الحزينة و انهمارِ الشلّالاتِ المقيّدة , و انحباس الدموع في مآقي الفرحِ و الرّغبة ..
و كانَ غيابكَ رسالةَ المنفى لوطنٍ يتربّصُ بالانتماء , و يعدُ السّماءَ بقوافلَ من الصّرخاتِ المكتومةِ كلّ رحيل ..
أو ربّما منحتكَ المجرّةُ لكواكبِ الأرقِ لتزورها كمذنّبٍ خام , لم تمّسهُ عينُ الفراق و لم تحاصرهُ أزقّةُ المستحيلات ..
و ربّما ..
كنتَ أنتَ : أنا و جناحَ عصفور ..
:
[ هل الأصداف دفاتر مذكّراتِ الغرقى
و لذا ينبتُ اللّؤلؤُ في بعضها ؟] *
يحاولُ النّسيانُ أن يُبلّلَ أوراقَ ذاكرتي , فيفشل ..
و يهيمُ على تشرّدهِ بينَ القارّات , و يبقى لتلافيفِ العتمةِ , نورُ غيابكَ و حُرقةُ حضورك !!
:
** غسّان كنفاني
* غادة السّمان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق