الأربعاء، 16 يوليو 2008

غـــوايــــة !




:

[ أصابعك قريبةٌ منّي ، تحوطني من كلِّ جانب ، كأصابعِ طفلٍ صغيرٍ حول نحلةٍ ملوّنة : تريدها وتخشاها ولا تطلقها ولا تمسكها ولكنها تنبض معها .. ] **


مفاجأة ...

أن يطلّ وجهكَ من بين غماماتِ السّهرِ المُلتصقِ على أجفان ليالي ذاكرتي , و هي تتستّرُ على وحدتها , كمايتستّرُ عاشقٌ مراهقٌ على براءةِ طفولتِهِ قبلَ القُبلةِ الأولى ...

أن اجدكَ بين حروفي في أوّل الأسطرِ و في خاتمةِ العبارات و نهاياتِ الحكاياتِ الصّغيرةِ , الّتي ما ملّت تدوّنُ تاريخَ حصادِ سنابلِ الانتظار منذُ أكثرَ من عمرينِ و قلق ..

مفاجأة ..

أن تجدني على صدركَ سنونوةً مهاجرةً من مجاهلِ الحقيقةِ حتّى تخومِ الأحلامِ ,تكفرُ بدفءِ الأولى و تتدثّرُّ ببردِ غيابكَ حدّ اندماجِ الظِّلال ..

أن تطاردني بينَ دهاليزِ اشتياقكَ لربيعِ القصائدِ الهاربة , كغزالةٍ وعدت أن تعودَ ذاتَ ربيعٍ و لم تفعل !!


مفاجأة ...

أن نجدنا كمقعدٍ حزينٍ في حديقةِ الأفراحِ السّرية , و أن نستطبعَ وحدَنا إعلانَ اندماجنا أمامَ حفيفِ الأوراقِ المتهامسة ..

أن نرمي معاً آخر قطرةِ حبرٍ للرّيح و نقرّرّ أن نعيشَ جنوننا بذاتِ رغبتنا الأولى في المشي تحتَ المطر , في أن تعانقنا أيادي نهر مدينتي الصّغيرة ,
في أن نمسح بأكمامِ أملنا مصابيحَ ذاكرتنا واحداً تلو الآخر , علّنا نحظى بأمنية اللقاء ..

:

[ أؤمن بك كما يؤمن الأصيل بالوطن والتقي بالله والصّوفي بالغيب . لا كما يؤمن الرجل بالمرأة! ] **


و ألتقيني بكَ كعشبةٍ سحريّةٍ بينَ يديّ عطارٍ قديم , كموعدٍ مؤجّلٍ عجّلت به لهفةُ الرّياحِ لبعثرةِ كثبانِ المكابرة ..

كطفلينِ التقيا للمرّةِ الأولى و في يدِ كلٍّ منهما لعبةُ الآخر , و حلوى لاثنين خبآها لعيدٍ مُنتظر ..

ألتقيني بكَ كما تلتقي الأزهار ذرّاتِ غبارِ الطّلعِ و تؤجّلَ ثمرَها -عن عبث - لشتاءٍ آخر , لبردٍ جديدٍ قد يعصفُ بأطرافها المتكوّمةِ حولكَ حدّ الانصهار ..

فقط .. حينَ أشعرُ أن لا أبجديّةً فرعونيّةً قادرةً على وصفِ لعناتِ الانتظار المسجّاةِ على أطرافِ نهرٍ أسمر ,
و لا حروفَ منحوتةً بصبرِ الأيادي الأولى على أعمدةِ الوعودِ القديمة ..

فقط حينها , أمدُّ شفتيَّ نحوَ صدركَ و أصنعُ من صوتي جسراً , لا علاقةَ لهُ بطعمِ الهزائمِ و حُرقة الانتصارات ,
و أمشي على أطرافِ وجعي , ألملمُ ضجيجَ فرحي بك لئلّا أوقظَ نبضي المبحوح ..
و ألتقيك .

:

[ سأترك شعري مبتلا حتى أجفّفه على شفتيك . ] **



و تمدُّ يديكَ إلى رئاتِ الخريفَ , لتلقطَ لنا صنوبرةً وحيدةً لأجلها نغفرُ اصفرارَ الغياب , و بها يتنشرُ الأوكسجينَ في واحاتِ الوقتِ المغروسِ كنصلٍ حزين ..


تهمسُ كضوءِ أوّل صباحاتِ الصّيف للزّوابع , للأحجار الملّونة , للأصداف , لأعشاشِ العصافيرِ الصّغيرةِ الرّمادية , لقوس قزح و لحظاتِ الحب و الرّياح المعاكسة لكلّ السّفن ,

تهمسُ للياسميناتِ الحزينات بموعدِ المساءاتِ الطّويلة , بأسرارِ اللّيالي الهاربة , و بحكايةِ الأميرِ الصّغير الّذي أحبّ من الوريدِ إلى الوريد !

تنقشُ وجهكَ فوقَ رقعةِ فرحٍ و تلّفها حولَ يديك , لتقلبَ بها كلّ قوانينِ الأزمنةِ الحالمة و الاحلامِ المُزمنة , و تجعلَ من الثّواني الهزيلة خطىً تجمعُ رمالَ العمرِ المتسرّبةِ في كفِّ نخلةٍ عذراء ..

:

[هل العصافير
رسائل الغيوم المتوحّدة إلى النّاس ؟

أم أنّ العصافير ,
صرخةُ الغيمةِ قبلَ أن تذوبَ عشقاً فتصيرَ مطراً ؟ ] *

و ربّما كنتَ أنت , رسالةَ الماءِ لغرقِ القصائدِ الحزينة و انهمارِ الشلّالاتِ المقيّدة , و انحباس الدموع في مآقي الفرحِ و الرّغبة ..

و كانَ غيابكَ رسالةَ المنفى لوطنٍ يتربّصُ بالانتماء , و يعدُ السّماءَ بقوافلَ من الصّرخاتِ المكتومةِ كلّ رحيل ..

أو ربّما منحتكَ المجرّةُ لكواكبِ الأرقِ لتزورها كمذنّبٍ خام , لم تمّسهُ عينُ الفراق و لم تحاصرهُ أزقّةُ المستحيلات ..

و ربّما ..

كنتَ أنتَ : أنا و جناحَ عصفور ..


:


[ هل الأصداف دفاتر مذكّراتِ الغرقى
و لذا ينبتُ اللّؤلؤُ في بعضها ؟] *


يحاولُ النّسيانُ أن يُبلّلَ أوراقَ ذاكرتي , فيفشل ..

و يهيمُ على تشرّدهِ بينَ القارّات , و يبقى لتلافيفِ العتمةِ , نورُ غيابكَ و حُرقةُ حضورك !!

:


** غسّان كنفاني

* غادة السّمان

الاثنين، 7 يوليو 2008

زوجي العزيز ... أنتَ طالق!

على غير عادة الأصوات النسائية المطالبة برفع الظلم عن المرأة , ارتفعَ صوتٌ ما في عقليَ الباطن حاملاً بيدهِ رايةً بيضاء ممهورةً بختمِ بحثٍ طويلٍ طويل , قادَ الفكرَ حيثُ يُزرعُ العنفُ و يُحصَدُ الشّتات .

الرّجل بقوّته الجسديّة , و تركيبه الفيزيولوجي و النفسي المختلف عن المرأة و المتّسم بالقوة , يوحي لنا بأنّ لهُ دور البطولةِ دائماً في قضايا العنف بأشكاله في المجتمع , بينما تُظهر الحقائقُ أموراً أخرى ..

ففي أحد الدّراساتِ ارتفعَ معدّل جرائم قتل الزّوجات لأزواجهنّ في السّنوات الأخيرة بشكلٍ كبير , كما ارتفعَ معدّل الرّجال الّذين يتعرّضون للضّرب من قبل زوجاتهم , حتى أنّ احد الرّجال في احدى الدّول العربية قامَ بتأسيس جمعيّة لحماية الأزواج من العنف الأسري !!

و بالطّبع فإنّ جرائم القتل الّتي تقوم بها النّساء تنطوي في الغالب كما لاحظت على قصّة مأساوية تنتهي بهذا الشّكل الرّهيب و لكنّها في أحايين كثيرة ناتجة عن غضب و تسرّع و تهوّر و تأصّل للعنف داخل الرّوح .

أمّا حالات الضّرب أو العنف الجسدي الّتي تحصل بينَ الازواج و تكون فيها المراة هي المعتدية , فقد أثبتت أنّ زمان " سي السّيد " الّذي يدخل البيت ساخطاً و يخرج متبرّماً و " لا يعجبه العجب " انتهى و ابتدأ زمنٌ جديد قد يفاجئنا في المستقبل القريب بعجائب قد لا تصدّقها الأعين .

ما أستغربهُ حقّاً سكوت بعض الرّجال عن العنف الجسدي ضدّهم , و محاولة تجاوزه أو في أحسن الأحوال محاولة التّفاهم مع الزّوجة و اقناعها بضرورةِ احترام العلاقة .

و ليسَ المُطالب هنا طبعاً ردّ العنف بعنف , و لكن على الأقل عدم السّكوت عن هذا الأمر , فالزّوجات اللواتي يتعرّضنَّ للعنف الجسديّ من أزواجهنّ - و ما أكثرهن - قد يصمتنَ خوفاً من شبح الطّلاق الّذي يهدّد حياتهن و وضعهنّ في مجتمع لا زال يتشبّثُ بأسماله البالية , أمّا أن يسكت الرّجل عن ذلك , فهذا ما لا أجد لهُ مبررا إلا و أقول ربّما الضّعف النّفسي للرّجل و انعدام ثقته بنفسه و برجولته و لا علاقة لهذا بحبّه لزوجته كما يجري على لسان البعض .


الأمر الآخر الّذي أودّ التّطرق إليه , هو العنف النّفسي ضدّ الرّجل و لهذا العنف أشكال كثيرة و غريبة بذات الوقت و قد لا يخطر ببالنا أنّها قد تنتمي فعلاً لأشكال العنف ..

بدءاً من ايهام الرّجل بأنّه يجب أن يتغلّب على مشاعره و يحافظ على صورتِهِ الشّديدة المتحجّرة أمام الجميع و الّتي أرى أنّها من حالات العنف و الكبت النّفسي للرجل المُطالب منذ طفولته بعدم البكاء مثلا !

ثمّ الاغراءات الّتي يتعرّض لها الرّجل -و ما أكثرها اليوم -, و قلّة حيلة غالب الشّباب الّذين يغالبون رغباتهم و يتعرّضونَ بهذه الطّريقة لكبتٍ و عنفٍ نفسيين جديدين .

و نأتي للحياة الزّوجية فالضّغط الّذي تمارسه الزّوجة على الزّوج , بدءاً من مشاكلها مع أهله و محاولة جذب غطاء العلاقة نحو أهلها , مروراً بالمتطلّبات الاجتماعيّة و الاقتصاديّة و الغيرة المبرّرة أحيانا و اللامبررة في كثير من الأحيان , ناهيكَ عن محاولةِ سحبِ كلّ خيوطِ حريّته الشّخصيّة محاولةً منها لاستبقائهِ و شغلِ كلّ جزيئات حياته .

و هذا لا يُبرر بالحب بقدر ما قد أبرّره شخصيّا بانعدام الثقة الاجتماعية بشكل عام , و بتدهور الأحوال الاجتماعية إلى الأسوء دوماً , بحيثُ أصبحَ الحصول على شريكٍ يحمل صفات الشّريك الحقّ من أصعب المهمّات الحياتية , إن لم يكن من أكثرها استحالة .

و في حين تبيّن لي من البحث و الاطلاع أنّ العنف الجسدي ضدّ الرّجال في المجتمع الغربيّ أكبر منه في مجتمعنا العربي , إلا أنّ العنف النّفسي - و هو برأيي أشدّ و أكثر خطورة - منتشرٌ أكثر في مجتمعنا العربي و هذا خاضعٌ حسب وجهة نظري للقيود الاجتماعية و العرفيّة الّتي يرزح مجتمعنا تحتها .


بغضّ النّظر طبعاً عن العُنف المؤدلج الّذي تعرّض لهُ الشّرطي النّاجح غيورغ من زوجته في الفيلم الألماني " الآخر " و الّذي نجحَ في تسليط الضّوء على طريقة ممارسة العنف الجسدي من قبل الزّوجة على الرّجل النّاجح المحبوب الناشط اجتماعياً مع ملاحظة محاولة المخرج تسليط الضّوء على العزلة النّفسية للزوجين عن بعضهما , مما قد يكون له الدّور الأساسي في حدوث هذا الشّرخ الكبير في العلاقة .



و بعيداً عن انتشارِ مسألةِ العصمةِ بيدِ الزّوجة , فإنّ انقلاب الأدوار باتَ وشيكاً بشكلٍ مثيرٍ للقلق , مما قد يجعلنا نسمعُ في القريب العاجل زوجات يصرّحنّ بـ ِ " زوجي العزيز أنتَ طالق , طالق , طالق !!! "