الثلاثاء، 7 يوليو 2009

مروة الشّربيني ضحيّة التطرّف العربيّ و العالميّ !

الصّندوق الأسود للطّائرة الفرنسية الّتي سقطت منذ حوالي أكثر من شهر و سجّلت بذلكَ وصمةَ عارٍ لتاريخ الطّيران الفرنسي قد يحملُ معلوماتٍ تبرئ ساحةَ فرنسا و طيرانها , الأمر الّذي لا ينطبق على الطّائرة اليمنية التي سقطت منذ عدّة أيّام في المحيط الهندي قبالة سواحل جزر القمر , فهي ستدخل ال " بلاك ليست " لشركات الطّيران و سيتمكّن جميع المسافرين من تجنّب الرّكوب فيها بعد الإطّلاع على " فضيحتها " على الانترنت !
و ليسَ في الأمرِ مفارقةٌ تدعو إلى التّعجب , لأنَّ أموراً كهذه أصبحت معتادةً جدّاً و لا أُرجعها إلى النّظرة الدّونيّة المليئة بالاتّهامات أيّاً كان نوعها إلى العرب , بل إلى التّقصير العربيّ في مجال التّطوير و التّحسين و الإعلام بالدّرجة الأولى أيضاً .
مروة الشربيني امرأة مصريّة مثقّفة و أمّ لطفل في الثّالثة من عمره و حامل في شهرها الثّالث , زوجة لمعيد بمعهد الهندسة الوراثية في مصر و الذي حصل على منحة شخصية إلى ألمانيا لدراسة الدّكتوراة و التي كان من المقرر أن يناقش رسالته فيها في الأيام القليلة القادمة , مروة وصلت الأحد الماضي مصر و كان بانتظارها عدد هائل من المصريين و المسؤولين , ليس من أجل تهنئتها و زوجها بل من أجل حمل جثمانها بعد أن قُتلت أمام أعين القضاء الألماني في دريسدن !
و بعيداً عن كون القاتل عاطلاً عن العمل و كونه يعيش على المساعدات التي تقدمها لهُ هيئة العمل و بعيداً عن أصلهِ و فصله , و عن توجهاته الشوفينية أو النّازية . فإنّ مروة لجأت إلى القضاء كما يفعل كل مواطن ألماني حين تعرّضهِ إلى إساءةٍ ما في بلدٍ يحمي القيمة الإنسانية و يشجّع على الحرية الشّخصيّة بعدَ أن وُصِفَت بأنّها " إرهابية و متطرّفة و عاهرة " من رجلٍ لا يعي معنى الاعتدال و الشّرف .
لجوؤها إلى القضاء الذي أنصفها بدورهِ لم يحمِها من أليكس , الذي صرّح بكلِّ وقاحةٍ أمامَ الجميع : " أناسٌ كهولاء لا يستطيع المرء شتمهم , لأنهم ببساطة ليسوا بشراً . " !!
و هيئة الإدّعاء العامّ الّتي طالبت لأليكس في جلسةٍ لاحقة بحكمٍ بالسّجن بدلاً عن الغرامة , لم تظنّ أنّها بذلك تدفعهُ إلى الانتقام بسرعةٍ غير متوقّعة و تقّدم لهُ الفرصة على طبقٍ من فضّة !
18 طعنة , كانَت أكبر بقليل من عددِ الأحلام الّتي رسمتها مروة لها و لعائلتها في بلدِ الحريّة و التّطور و العلم .. 18 طعنة كانت كافية لتودي بأحلام مصطفى ( ابنها ) الطّفوليّة ليردّد فقط " قتلوا ماما .. موّتوا بابا " ..
علوي الدّكتور المبعوث من وزارة التّعليم العالي دفع أيضاً الثّمن غالياً كونهُ عربيّا أسمر , فكانَ من نصيبهِ عيارٌ ناريّ أطلقهُ شرطيٌّ أتى من خارج القاعة لم يميّز الجاني فتوقّع أن يكونَ ذلكَ الأسمر , إضافةً إلى خمس طعناتٍ اخترقت ظهره و رئتهُ و كبده !
و لن أتحدّثَ عن التّعتيم الإعلامي الألماني الّذي لم ينشر الخبر إلا بعد انتشاره على الانترنت , و لكني أتساءل أين الإعلام العربيّ من قضيّة كهذه , تفتحُ ملّفاتٍ كثيرةٍ للجهل و التّطرف و الانشغال بالتّوافه و الاستهلاك و التّخلف الاقتصادي و العلمي و الإعلامي العربيّ و المُقابل بالطّبع بتطرّف عالميّ ؟
الإعلام العربيّ تعرّض للقضيّة - حينَ فعل - بطريقة تلقي الاتّهام على ألمانيا كدولة و تُحيل الموضوع إلى قضيّة دوليّة , إمّا لجهلٍ بوضع النازيين بألمانيا أو تفريغاً للضّغط الدّاخلي المتراكم من الظّلم الخارجي و الدّاخلي الواقع علينا كعرب و مسلمين في جميع أنحاء العالم .
نحنُ نفتقدُ إلى إعلامٍ قادرٍ على معالجة القضايا و مناقشتها من جذورها , يبحث في الأسباب لا في النّتائج و يعتمد على حقائق و مُعطيات من أرض الحدث , ولا مانع من إعطاء تلك القضايا حجماً كبيراً يتوافق مع أهميّتها إلّا أنّهُ يجب أن يعتمد أوّلاً على الموضوعيّة و الواقعيّة .
نحنُ نريدُ إعلاماً يصلُ بقضايانا إلى العالم بصوتٍ عالٍ كالحقّ , لا يعتمد على رشقِ التّهم و نشرِ العداء , بل على تبيانِ الحقائق و المطالبةِ بالحقوقِ بطريقةٍ سويّةٍ و صحيحة .



أمنيات :

لمصطفى : أن يعودَ الأحمرُ لونَ هدايا العيد في عينيه .

لمروة : رحمها الله و أسكنها فسيح جنّاته .

للدكتور علوي : شفاءاً عاجلاً لجسدهِ و قلبه .

و للإعلام العربيّ : شفاءاً عاجلاً لبصرهِ و بصيرته !